في مجتمعاتنا العربية، تشكّل القضايا المالية جزءًا يوميًا من حياة الأفراد، من سعر الخبز اليومي، إلى قرار الهجرة، أو حتى مشروع زواج. ورغم ذلك، لا تزال الثقافة المالية غائبة عن كثير من الخطابات التعليمية والمجتمعية. فبينما تتزايد التحديات الاقتصادية من بطالة، وديون، وغلاء معيشة، تبقى مفاتيح الفهم المالي عند نسبة محدودة من الناس.

هذا المقال يُسلّط الضوء على مفهوم الثقافة المالية، لكنه يذهب أبعد من التعريف، ليحلل واقعها في العالم العربي، ويعرض التحديات الخاصة التي تجعل نشرها ضرورة ملحّة لا خيارًا إضافيًا.

ما المقصود بالثقافة المالية؟

الثقافة المالية هي القدرة على قراءة الأرقام وفهم أثرها على حياتنا. هي القدرة على التعامل مع المال بحكمة: إنفاقه بذكاء، ادخاره بانضباط، واستثماره بأمان.
وتشمل فهم مفاهيم مثل:

• الميزانية الشخصية.

• التوفير والتقاعد.

• القروض والتمويل.

• الضريبة والتضخم.

• الفرق بين الحاجة والرغبة.

الثقافة المالية عالميًا: لماذا هي مهمة؟

الدول التي طورت استراتيجيات وطنية لنشر الثقافة المالية شهدت انخفاضًا في نسب الديون الشخصية، وزيادة في نسب الادخار والاستثمار، ووعيًا أكبر في التعامل مع الأزمات مثل كورونا أو الأزمات المصرفية.

على سبيل المثال:

• في فنلندا، تُدرّس الثقافة المالية في المدارس منذ المرحلة الأساسية.

• في أستراليا، تملك الحكومة موقعًا إلكترونيًا رسميًا لتعليم المواطنين كيفية إدارة أموالهم.

• في الولايات المتحدة، بدأت بعض الولايات بجعل الثقافة المالية مادة إلزامية للتخرج من المدرسة الثانوية.

الثقافة المالية في العالم العربي: الواقع الحالي

رغم النمو الكبير في القطاع المصرفي والاستثماري العربي، لا تزال الثقافة المالية لدى الأفراد محدودة لأسباب متعددة.

أبرز ملامح الواقع:

1. غياب الثقافة المالية في التعليم المدرسي والجامعي
   معظم المدارس لا تعلّم الأطفال كيف يديرون نقودهم أو كيف يعمل البنك، أو ما معنى الفائدة المركبة.

2. الاعتماد على العائلة بدلًا من الاستقلال المالي
   كثير من الشباب يبقون معتمدين على الأهل ماديًا حتى بعد التخرج، ما يؤخّر نضجهم المالي.

3. التأثر بالثقافة الاستهلاكية العالمية
   الإعلانات، والسوشال ميديا، والمظاهر تروّج لأنماط صرف غير عقلانية، مما يسبب ضغطًا نفسيًا واقتصاديًا.

4. ضعف الشفافية في التعاملات المالية
   سواء من حيث معرفة شروط القروض أو الفوائد أو الرسوم، مما يضعف ثقة الفرد بالنظام المالي.

أمثلة من الواقع العربي

• شخص يحصل على قرض استهلاكي دون أن يعرف أنه بفائدة مركبة.

• طالب جامعة يستخدم بطاقة ائتمان بلا وعي، وينتهي بأقساط لا يستطيع سدادها.

• أسرة تنفق كامل دخلها الشهري، دون أي خطة للادخار أو الطوارئ.

• شاب يدخل عالم العملات الرقمية من باب "الربح السريع" دون فهم حقيقي، فيخسر كل رأس ماله.

ما الأسباب التي تعيق انتشار الثقافة المالية في الوطن العربي؟

1. ضعف التوعية المؤسسية:
   لا توجد حملات وطنية قوية تحث على التعلم المالي أو تشرحه ببساطة.

2. قلة المحتوى العربي المتخصص:
   أغلب المحتوى المالي إما معقد جدًا، أو غير موثوق، أو مكرر وغير جذّاب.

3. غياب القدوة:
   لا يُسلّط الضوء على قصص النجاح المالية الواقعية، ولا يتم الاحتفاء بالأفراد الذين يبنون مستقبلهم المالي بذكاء.

4. الخوف من المال:
   نعم، البعض يفضل "عدم التفكير بالمال" لأن الحديث عنه يشعرهم بالذنب أو العجز، ما يخلق جهلًا مستمرًا.

ما الذي يمكن فعله؟ (خارطة طريق للنهوض بالثقافة المالية)

على مستوى الفرد:

• متابعة منصات موثوقة مثل مالبيديا بشكل دوري.

• تخصيص ساعة أسبوعيًا لفهم منتج مالي أو مصطلح جديد.

• ممارسة التوفير ولو بمبلغ بسيط جدًا.

على مستوى المدارس والجامعات:

• دمج الثقافة المالية في المناهج من مراحل مبكرة.

• إقامة مسابقات ومشاريع تشجع التفكير المالي.

على مستوى الحكومات والإعلام:

• دعم مبادرات الثقافة المالية رسميًا.

• إنتاج برامج ومواد مرئية تُبسّط المفاهيم للجمهور.

• تنظيم أيام توعوية، وطنية للادخار، والتمويل، والتخطيط.

لماذا يجب أن نبدأ الآن؟

• لأن التأخير يعني أجيالًا جديدة تدخل السوق دون أدوات.
  لأن المعلومة الصحيحة قد تنقذ شخصًا من الإفلاس، أو تفتح له باب استثمار.
  لأن الاقتصاد القوي يبدأ من الأفراد، والوعي هو اللبنة الأولى في البناء.

الثقافة المالية ليست ترفًا فكريًا أو تخصصًا جامعيًا. هي مهارة حياة، مثل قيادة السيارة أو استخدام الهاتف. وفي عالم عربي يواجه تحديات اقتصادية يومية، تصبح هذه المهارة أداة بقاء، وأداة نهوض. الجهود الفردية والجماعية يجب أن تتكامل، لنجعل من الفهم المالي ثقافة سائدة، لا استثناء نادر.

استكشف المزيد من المعلومات القيمة عن الثقافة المالية وإدارة الأموال على مالبيديا Maalpedia – منصة المعرفة المالية العربية الخاصة بك.  

المراجع المعتمدة:

https://www.arabnews.com